بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسوله الأمين
أهلكناهم بذنوبهم
بقلم: د. صلاح الخالدي
قال الله عز و جل: ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم و أرسلنا السماء عليهم مدراراً و جعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم و أنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) الأنعام 6
تلفت الآية الكريمة أنظار المعرضين عن الله إلى مصارع المكذبين السابقين، الذين مكن الله لهم في الأرض، و أفاض عليهم من النعم، و قدم لهم الهدى، و بعث لهم الرسل، لكنهم قابلوا رسل الله بالتكذيب، و قابلوا نعم الله بالكفران و الجحود، و رفضوا هدى الله، و طغوا و بغوا و ارتكبوا الذنوب و المعاصي، فأوقع الله بهم العقاب و العذاب، و أهلكهم بذنوبهم و معاصيهم و أنشأ آخرين مكانهم.
ينطبق هذا على الكفار السابقين الذين ذكر الله طرفاً من كقوم نوح و عاد و ثمود و مدين، و قوم لوط و آل فرعون، كما ينطبق على الجاحدين المذنبين الذين جاؤوا قبل و بعد الإسلام في الشرق و الغرب، مثل الفرس و الرومان و الأوروبيين و المغول، كما ينطبق القول على الأمم المعاصرة في القارات الخمس التي رفضت هدى الله و ارتكبت كل أنواع الذنوب و المعاصي.
و تقدم لنا هذه الجملة القرآنية الموجزة الحكيمة: "فأهلكناهم بذنوبهم" سنة ربانية مطردة لا تتخلف و لا تتبدل، و هي إيقاع الهلاك و العقاب بالمذنبين المعرضين عن شرع الله، و إن التاريخ البشري كله معرض عملي لتطبيق هذه السنة المطردة، و قد سجلت صفحاته مصارع المكذبين و المذنبين السابقين و المعاصرين.
و الباء في قوله: "بذنوبهم" هي للسببية، أي أن إهلاك المذنبين كان بسبب ذنوبهم، وصيغة الجمع تدل على كثرة هذه الذنوب، و يؤخذ من خلال هذه الجملة القرآنية الحكيمة معادلة قرآنية إيمانية صادقة هي: الذنوب تنتج المصائب، و المعاصي طريق الهلاك، فالذنوب مخربة، آثارها مدمرة و عواقبها وخيمة.
و يظهر هذا في الدنيا قبل الآخرة، و هذا يشمل الذنوب الفردية التي يرتكبها الإنسان، فإنه يدفع ضريبتها في الدنيا قبل الآخرة، كما يشمل الذنوب العامة التي ترتكبها الأمة بمجموعها، و التي تقود إلى انطباق السنة الربانية على الأمة و تحقق المعادلة القرآنية عليها.
و قد حذرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم من الذنوب فقال: إياكم و محقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه. و المحقرات هي الذنوب الصغيرة التي يستخف بها صاحبها و لا يهتم بها، و ما أصدق قول القائل:
خلّ الذنوب صغيرها و كبيرها ذاك التقى
و اصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرةً إن الجبال من الحصى