--------------------------------------------------------------------------------
وقفت على كلام للإمام أبي عبد الله القرطبي المفسر في شرحه للآية 28 من سورة الروم، وهي قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}
يفيد أهمية النظر في علوم العقائد، أحببت أن أنقله لكم للفائدة:
قال القرطبي في تفسيره (ج14/ص23)
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى {من أنفسكم} ثم قال {من شركاء} ثم قال: {مما ملكت أيمانكم} ف((مِن)) الأولى للابتداء؛ كأنه قال: أَخَذَ مَثَلًا وانتزعه من أقرب شيء منكم، وهي أنفسكم،
والثانيةُ للتبعيض، والثالثة زائدةٌ لتأكيد الاستفهام.
والآية نزلت في كفار قريش؛ كانوا يقولون في التلبية: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك؛ قاله سعيد بن جبير.
وقال قتادة: هذا مثل ضربه الله للمشركين،
والمعنى: هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله؟! فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم فكيف جعلتم لله شركاء.
الثانية: قال بعض العلماء: هذه الآية أصل في الشركة بين المخلوقِين؛ لافتقار بعضهم إلى بعض، ونفيها عن الله سبحانه؛ وذلك أنه لما قال - جل وعز -: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم...} الآيةَ؛ فيجب أن يقولوا: ليس عبيدنا شركاءنا فيما رزقتنا؛ فيقال لهم: فكيف يتصور أن تُنَزِّهُوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم وتجعلوا عبيدي شركائي في خلقي؟! فهذا حكمٌ فاسد وقلةُ نظر وعمَى قلب! فإذا بَطَلَتِ الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة والخلق كلهم عبيد لله تعالى فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكًا لله تعالى في شيء من أفعاله؛ فلم يبقَ إلا أنه واحد يستحيل أن يكون له شريك؛ إذ الشركة تقتضي المعاونة، ونحن مفتقرون إلى معاونة بعضنا بعضا بالمال والعمل، والقديم الأزلي منزَّهٌ عن ذلك جل وعز.
وهذه المسألةُ أفضلُ للطالب من حفظِ ديوانٍ كامل في الفقه؛ لأن جميع العبادات البدنية لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة في القلب؛ فافهم ذلك!